منذ ذلك اليوم الذي وطأت فيه قدما الفاتح المسلم طارق بن زياد إلى أرض طريفة بإقليم قاديسسنة في بلاد الاندلس سنة 711م بدأ تاريخ أوروبا والعالم الغربي يتغير.. فعندما جاء الإسلام اهتم العرب منذ فجره بشتى ضروب المعرفة والعلوم، وصاحب الانتصارات الحربية الرائعة، تقدم الثقافة وازدهار الفكر على صعيد جميع العلوم والمعارف النظرية التطبيقية بالإضافة إلى مختلف الفنون والصناعات ، ففي الطب برع ابن سينا و ابن رشد و ابن النفيس ومازالت نظرياتهم واكتشافاتهم محور اهتمام الأطباء وفي الرياضة والفلك برع ابن الهيثم و الخوارزمي ، وصحب المسلمون معهم علومهم إلي كل الأراضي التي فتحوها.
ويقول المستعرب الاسباني الدكتور خواكين بوستمانتي كوستا، من شعبة الدراسات العربية بجامعة قاديس الاسبانية في حوار منشور في احد المواقع علي الانترنت " من دون الأندلس، لم يكن لينتج الفن القوطي كما نعرفه اليوم، لم نكن لنستطيع اكتشاف أمريكا ، ولم يكن ليصل الإنسان إلى القمر." .. " فالفن القوطي يجد أصله في الكتابات الأركتكتونية التي تبلورت في قبب محراب مسجد قرطبة والوصول إلى أمريكا أصبح ممكنا بفضل بلورة تقنيات الإبحار في المحيط الهندي وبفضل التقدم في المعرفة الجغرافية والفضائية .. هذه الأمور بالإضافة إلى التطور القوي للرياضيات الذي بدأ مع دخول الأرقام العربية، والحساب بالنظام العشري، وبالجبر وغيرها، وضعت بذلك الأسس المتينة من أجل أن يستطيع الإنسان غزو الفضاء. "
والدكتور خواكين له عدة إصدارات ترصد الأثر الثقافي العربي على اوروبا والعالم منها كتاب " الإعارات العربية للمعجم اللاتيني في مجال الطب" مدريد 1992.. و"حركات الاستعراب في مجال علم النبات وعلم الحيوانات في الترجمة اللاتينية" 1996، قاديس. .وله العشرات من الأبحاث والدراسات الأخرى التي تناولت المتن الكلامي العربي في الأندلس وفي شمال إفريقيا.
وفي مجال الطب بالخصوص ظهرت الكثير من الأبحاث والكتب التي تبين فضل الأطباء المسلمين علي الطب الغربي الحديث ولكن لا نجد إلا القليل جدا من هذه الأبحاث الذي يبين فضل الإسلام كدين وتعاليم على الطب وأثره في خلق مجتمع صحي حصين ضد الأمراض ... فهذا هو الفيلسوف البريطاني " برنارد شو" في مقدمة كتابه "حيرة الأطباء" dilemma The Doctors يقول أن الاستعمار البريطاني عندما أحتل جزر السندونش وضع خطة لتغيير دين السكان فأرسل وفود المبشرين ليبعدوهم عن الإسلام .. ونجح الاستعمار للآسف الشديد في ذلك ولكن كانت النتيجة هي تفشى الأوبئة والأمراض الفتاكة بينهم بسبب بعدهم عن تعاليم الإسلام التي كانت تأمرهم بالطهارة والنظافة فى كل شيء إلى حد التدقيق على تقليم الأظافر وتنظيف ما تحتها ثم العناية بدفن القلامات في التراب ". وأضاف شو " ان الإسلام أول دين يأتي بنظرية علمية وواقعية عن مفهوم المرض ويعترف بالطب والأطباء والدواء ، فقبل الإسلام كانت الفكرة السائدة في العالم أن المرض شيطان ويدخل جسم الإنسان عقابا له على معصية أرتكبها في حق الآلهة ... "
وفي كتابه عن " أثر العلوم الإسلامية في تطور الطب " أكد " الدكتور خوسيه لويس بارسلو " العالم الأسباني " أن الهدف من البحث هو جمع سلسلة من الوقائع التي توضح الأثر الحاسم للعلوم الإسلامية فيما يتعلق بتطور الطب، والهدف الرئيسي هو أن نقرر الأهمية الحقيقية لتأثير العلوم الإسلامية، فهي من الناحية الموضوعية قد ساعدت على وجود المعايير الطبية الحالية، وان من الإجحاف تجاهل هذه الحقيقة بل أنها لم تكن معروفة بوجه عام..
ويأتي الباحث الألماني الدكتور "بيتر بورمان" ليقول في حوار له بجريد الأخبار المصرية بتاريخ 13/4/2007 " ان إنجازات المسلمين في العالم واضحة جلية في كل شؤون العلوم والثقافة، بل إن إنجازاتهم في مجال الطب لا يستطيع أحد إنكارها، وهذا هو ما دفعني إلى تأليف كتاب بعنوان (الطب الإسلامي في القرون الوسطى)." و قال " دفعني لتأليف هذا الكتاب أنني كمسيحي ألماني أدين بالفضل في جزء من ثقافتي للثقافة الإسلامية، وهذا ما أحاول توضيحه وتأكيده رغم محاولات البعض طمس الدور الهام الذي لعبه المسلمون في أوروبا والعالم، ولقد عكفت أنا وزميلتي الباحثة "إيميلي سافاج سميث" علي رصد انجازات المسلمين في مجال الطب في القرون الوسطى. " وأضاف " ان المستشفيات الاسلامية كانت عبارة عن أوقاف إسلامية وكانت تقدم الخدمة الطبية لكل الناس بصرف النظر عن ديانتهم، فهناك اليهود والمسيحيين والصابئة والإزدشتين وغيرهم، فكان المستشفى الإسلامي يعالج الجميع، وهذا يعني تسامحاً إسلامياً كبيراً مع غير المسلمين ...." عن أهم الأمراض التي ساهم فيها المسلمون بعلم جديد ، قال " الكثير من الأمراض، إلا أن أخطرها هو مرض "المالنخوليا" ... "
وسبقهم جميعا في الاعتراف والتأكيد علي دور الاسلام والمسلمين في تنوير اوروبا في عام 1537م طبيب بلجيكي من علماء جامعة لوفان، هو الدكتور أندريه فيزالوس ، والذي قام بترجمة الكتاب التاسع من كتب الرازي إلى اللغات الأوروبية، وما لبث فيزالوس أن عين أستاذًا للتشريح في جامعة بادوا، وفي عهده أدخلت كلية الطب في جامعة بادوا الأساليب الإسلامية الجديدة في ممارسة الطب، التي ما لبثت أن انتشرت في سائر أوروبا وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تقدم الطب في أوروبا.
وبعد أيها المسلمون .. أليس هذا تقصير منا في حق ديننا أن تأتي الاعترافات تلو الاعترافات بفضل الدين الاسلامي وتعاليمه علي كل العلوم الدنيوية وأثره الكبير في تطويرها من علماء الغرب ، فماذا فعلنا ؟ .. وماذا نحن فاعلون ... لا نريد ان نُذكر العالم بما فعله اجدادنا الأوائل وإساهماتهم في تنوير البشرية فقد قام الأوروبيون انفسهم بذلك ورفعوا عنا عبء البحث والجهد ، لكن نريد ان نحاكيهم ونماثلهم في تطوير كل علوم الدنيا ، فقد نصبح يوما علي اعتاب ما وصلوا إليه ، فلن تقوم للأمة الاسلامية قائمتها مرة أخرى إلا بالعلم والإيمان وليس أحدهما