الفصل التاسع
(مسألة حياة أو موت )
فجأة أصبحنا داخل سحاب كثيف مرة أخرى . حدث كل ذلك بسرعة كبيرة . ربما فقدت إيماليا شيئاً من تركيزها . أو ربما كان السبب أن الطريق تغير اتجاهه بشكل ملحوظ . بدأت السيارة تنقلب على أحد جوانبها وتتدحرج فوق الحافة . كان هناك صوت تحطم هائل ، وهبطنا إلى أسفل .... وفجأة أصبح كل شئ مظلماً .
استيقظت وكانت السحب قد انقشعت ، ويمكن رؤية الطريق وأودية الجبل . كنت أشعر بألم فى ساقى وذراعى وكان الدم على وجهى من أثر جرح ، ولكنى لم أعتقد أنه حدث بى أى كسور . كنا لا نزال داخل السيارة . وكانت رأساً على عقب فوق جزء ناتئ من الجبل . نظرت حولى .انتابنى شعور غريب وأصاب رأسى الصداع . لم تتحرك إيماليا . لم أكن متأكدة إن كانت ميتة أم لا .
قلت : " إيماليا " .
لم تجبنى .
قلت مرة ثانية : " إيماليا " . فى هذه المرة رأيتها تتنفس . وضعت سترتى فوقها وأمسكت بيدها .
بعد لحظات قليلة فتحت عينيها .
قالت بصوت ضعيف : " ماذا حدث ؟ " .
قلت : " لقد وقع لنا حادث . يجب أن نطلب مساعدة " .
قالت : " لا أستطيع التحرك . من المؤكد أن بى كسراً . ساقى . إنها تؤلمنى فعلاً " .
كنت قد تدربت على الاسعافات الأولية . كنت أعرف كيفية عمل الجبيرة . كان من الضرورى أن أجعلها مرتاحة أولاً قبل محاولة إحضار المساعدة . كان على أ، أفعل شيئا ـ وبسرعة . على مثل هذا الارتفاع يمكن أن تموت بسرعة بسبب البرد إذا كانت مصابة على نحو خطير .
كان صعباً للغاية أن اخرجها من السيارة . كانت تشعر بألم شديد لدرجة لا يمكن تحملها تقريباً . أخيراً أخرجتها من السيارة وأرقدتها على الأرض . كان معنا بطانيتان فى السيارة . وضعت واحدة منهما تحتها وواحدة فوقها . ثم قمت بعمل جبيرة لها . كانت شجاعة جداً . كانت تتحلى بصلابة أهل إنكا القدماء .
بعد ذلك بحثت عن التليفون المحمول . فى البداية لم أتمكن من العثور عليه ، ولكن بعدها رأيته على الأرض خارج السيارة . فتحت الجهاز لتشغيله فلم يعمل لأنه كان مكسوراً .
قلت : " أوه . لا ! " .
قالت إيماليا : " ليلى ، يجب أن تنقذى نفسك . اتركينى هنا . حاولى أن تحضرى مساعدة ، ولكن ربما يكون قد فات الأوان . هناك عدد قليل جداً من الناس فى الجبال . قد يستغرق الأمر أياماً قبل أن يعثر علينا أحد . لكنك يجب أن تحاولى " .
كان من الواضح لى أ،ها كانت ضعيفة .
قلت : " إيماليا . سوف أذهب لأحضر مساعدة . لا تقلقى " .
" ليلى ، قبل أن تذهبى . يجب أن أخبرك عن مارتن ، فى حالة ما إذا عدت إلأى بعد فوات ألأوان . أريدك أن تعرفى عنه . عندما رأيتينى فى كوينكو أتحدث إليه ربما اعتقدت أننى كنت أعمل معه " .
قلت : " هذا صحيح . أنا اعتقدت ذلك بالفعل " .
قالت : " حسناً . هذا ليس صحيح . فكما تعرفين أ،ه كان يعمل مهندس تعدين . كان يعمل مع والدى. أقنع والدى أن يدفع بعض المال ممن أجل منجم فضة قال مارتن إنه عثر عليه . لكن هذا لم يكن صحيحاً . لم يكن هناك منجم . وخسر والدى كل ماله . حينئذ كنا فقراء حقاً . كان الوضع صعباً جداً . وكل ذلك بسببه . ثم كان ذلك اليوم فى كوينكو حيث رأيته فى الميدان . أعتقد أنه كان ينتظر أحداً . ذهبت لأتحدث معه لأننى كنت مازلت غاضبة بشأن ما فعل بوالدى " .
قلت : " أوه إيماليا . ما أفظع ذلك " .
" هذا هو سبب رغبتى فى أ، أحضر معك لنحاول الإمساك به . عندما علمت أن الشرطة قد قبضت عليك أدركت أننى قد أخطأت . وأدركت ما هو واجبى " .
قلت : " إيماليا . أنا فهمت . وإننى لآسفة للغاية لأننى ظننت بك السوء . أعدك أن أفعل كل ما أستطيع للإمساك بهذا الرجل . وسأذهب لإحضار المساعدة الآن " .
" ليلى ، إذا وجدت أحداً يجب أن تقولى ( أيودا مى رونتو ، بور فافور ) بمعنى ( من فضلك ساعدنى ـ بسرعة ) . اذهبى فى اتجاه أكومايو . قد تصلين إلى قرية على الطريق " .
تسلقت جانب الجزء البارد من الجبل ووصلت إلى الطريق .
مشيت فى اتجاه أكومايو مثلما قالت لى إيماليا . بدا لى أننى مشيت لفترة طويلة لكن فيما بعد أدركت أن المسافة لم تكن بعيدة . كان كل جسمى يؤلمنى من أثر ارتطام السيارة ولم أستطع المشى بسرعة . أخيراً وصلت إلى عدد قليل من المنازل الفقيرة . رأيت امرا’ تعمل خارج أحد المنازل . قلت ( أيودا مى برونتو بور فافور ) نظرت إلى باستغراب . لم يبد أنها تفهمنى . علمت بعد لك أن العديد من الناس فى الجبال يتحدثون الكويتشووا فقط وهى لغة أهل إنكا ، ولا يتحدثون الأسبانية . دخلت المرأ’ إلى المنزل وخرج رجل . كررت قولى ( أيودا مى برونتو بور فافور ) . أومأ الرجل برأسه . أشرت فى اتجاه السيارة . استخدمت يدى لعمل إشارات تصور سيارة تنقلب على جانب الجبل . بعد ذلك قمت بعمل المزيد من الإشارات الت تبين إصابة شخص . أومأ الرجل مرة ا×رى . عاد إلى داخل المنزل . عندما خرج مرة أخرى كان يحمل قطعتي طويلتين من الخشب وبينهما قماش سميك . ظهرت امرأة أخرى وانطلقنا نحن الأربعة فى اتجاه السيارة .
عندما رجعنا إلى السيارة كانت السماء تمطر . كانت إيماليا تبدو شاحبة جداً ولم ترد علينا فى البداية . وأخيراً فتحت عينيها قليلاً . قلت : " لقد وجدت بعض المساعدة . هؤلاء الناس سوف يساعدوننا " .
وضعنا إيماليا على السرير الذى كان يشبه المحفة التى رأيتها فى حلمى المزعج بالكهف . حملناها ببطء وبصعوبة شديدة إلى الطريق . اندهشت لمدى قوة ذلك الرجل والمرأتين .
فى النهاية وصلنا إلى المنازل . أخذوا إيماليا إلى الداخل وأعطوها مشروباً ساخناً وبعض أوراق النبات لتمضغها .
قال الرجل : " بوينو " .
كنت غير متأكدة . كنت قلقة جداً على إيماليا .
تلك الليلة نمت فى سرير خشن بجوار إيماليا . كانت تصرخ من الألم كثيراً وكان من شبه المستحيل أن أنام . فى الصباح أحضرت النساء لى نوعاً من الشاى المر وبعض الخبز . واستمروا فى إعطاء إيماليا مشروبات ساخنة وأوراق النبات لتمضغها .
أردت أن أحضر طبيباً بأسرع ما يمكن . فهمنى الرجل . قال : "بوز ، بوز" أخيراً فهمت أنه يقصد الأتوبيس ! من المؤكد أن هناك أتوبيس يأتى من هذا الطريق . وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى مر أتوبيس على الطريق . مد الرجل يده فتوقف الأتوبيس . تحدث إلى السائق . ثم التفت إلىّ وقال : " إلى أكومايو ، مضبوط " . صعدت الأتوبيس حيث أجلسن أحدهم . كان الأتوبيس مليئا بالركاب الذاهبين إلى السوق . كان لديهم دجاج وفروج وصناديق ولفائف .
بعد ساعة من الزمن وصلنا إلى أكومايو . لحسن الحظ كان لدى بعض العملات المعدنية البيروفية ووجدت هاتفا عموميا .
عندما فتح خط الاتصال التليفونى صرخت قائلة : " دكتور حافظ ، دكتور حافظ " . كان الخط سيئا جدا . " إننى فى أكومايو . إن إيماليا ... " فجأة انقطع الاتصال . حاولت مرة ثانية . وللمرة الثانية ينقطع الاتصال . حاولت مرة أخرى . حدث نفس الشىء .
قررت أنه يجب علىّ أن أجد طبيبا . رأيت بعض اللافتات مكتوبا على أحدها كلمة أسبانية من المؤكد أن معناها يشبه كلمة طب حسبما اعتقدت . دخلت . كان بالداخل مساعدة شابة . كانت تتحدث قليلا من اللغة الانجليزية . قلت : " إننى فى حاجة إلى طبيب لأمر عاجل . تعرضت صديقتى لحادث اصطدم سيارة . إنها مصابة بشدة " .
طرقت الشابة بابا ودخلنا إلى غرفة أخرى . بدأت تتحدث إلى امرأة تجلس إلى مكتب . هذه المرأة كانت طبيبة وتتحدث الانجليزية . أدركت سريعا أن الأمر عاجل . التقطت معطفها وفى خلال بضع دقائق كنا داخل سيارتها على الطريق إلى القرية .
عندما وصلنا إلى القرية ، دخلنا جميعا إلى المنزل . كانت إيماليا أكثر هدوءا إلا أنها كانت تبدو فى حالة سيئة . طلبت منى الطبيبة أن أخرج . خرجت وجلست على صخرة . دار برأسى العديد من الأفكار . كان كل شىء قد بدأ جيدا جدا والآن قد أخفق كل شىء . بينما كنت أفكر فى هذه الأشياء ، نظرت عيناى إلى أعلى جانب التل . لاحظت شيئا – إنه نمط من تصميمات الصخور بدا وكأنه مألوف لى .
فى تلك اللحظة خرجت الطبيبة .
قالت : " المستشفى الآن ! "
دخلنا السيارة وعدنا إلى أكومايو . دخلت الطبيبة إلى مكتبها . التقطت التليفون وتحدثت على عجل . بعد ذلك قالت شيئا لمساعدتها .
قالت الطبيبة : " طائرة هليكوبتر قادمة لتأخذ صديقتك . إنها فى حاجة إلى دخول مستشفى بسرعة . عربة الاسعاف سوف تستغرق قتا طويلا للغاية . إنها مسألة حياة أو موت " .
عدنا بالسيارة إلى القرية . سرعان ما سمعنا صوت الطائرة الهليوكبتر . هبطت على الطريق القريب من المنزل . وبسرعة وضع رجلان إيماليا داخل الهليكوبتر ودخلت أنا بجوارها . لوحت بيدى مودعة الرجل والنساء فى القرية . كانت المساحة داخل الطائة الهليكوبتر تسعنا محن الأربعة بالضبط . أقلعنا ولم يمض وقت طويل حتى كنا فى المستشفى فى كوزكو. لم أكن قد ركبت طائرة هليكوبتر من قبل . لقد كانت عبارة عن آلة صغيرة جدا تطير بقرب شديد من قمم الجبال . إلا أننى فى هذه المرة لم أكن خائفة . لم أفكر سوى فى غيماليا وفى رغبتى الشديدة فى الامساك بمارتن لاندر .
فى اليوم التالى كانت إيماليا فى حالة أفضل قليلا . وصل الدكتور حافظ مع رامون . واخبرنى بما قد حدث .
قال الدكتور حافظ : " كنت أشك فى بابلو . تعرفين أنه ذهب إلى كوينكو ليقابل موظفى اليونسكو . قررت أن أذهب وأجده هناك . وصلت فى الوقت المناسب . كان على وشك المغادرة .
قال لى أنه كان متعبا ويشعر بالاثارة فى ذلك اليوم الذى وجدنا فيه القناع الذهبى وأنه ترك المتاح فى الكوخ بطريق الخطأ . من المؤكد أن أحدا تسلق من خلال الشباك المفتوح وفتح الخزانة بالمفاتيح . لم أدر هل أصدقه أم لا . قلت له أننى أثق به . أخبرته أن جميع أعمالنا معا تعتم على مساندة اليونسكو . إذا فقد القناع الذهبى أو سرق فقد يتوقف المشروع .
لم يقل شيئا . وقف هناك أمامى فى صمت . لم أدر ماذا أفعل أو ماذا أقول . وعند ذلك خطرت لى فكرة .
أخبرته أن البوليس قد قبض على مارتن لاندر . كنت أعلم أن ذلك ليس صحيحا . ولكنى أردت أن أرى إن كان بابلو سيقول أى شاقة وكيف أنه كان يحصل على القليل من المال . أخبرنى أن لديه طفل مريض وأنه كان يحتاج أن يدفع ثمن الأدوية الباهظ .
لم أعرف ما كان ينوى أن يقول بعد ذلك . لكن عندئذ أخبرنى أنه عمل مع لاندر من قبل . وأنه قد قابل لاندر فى كوينكو . كان ذلك يوم أن رأيت إيماليا تتحدث إلى لاندر فى الميدان . فقد عرض عليه لاندر الكثير من المال مقبل القناع الذهبى .
فى النهاية ، أخبرنى بابلو أنه يجب أن يقابل لاندر الليلة فى الساعة الثامنة هنا فى كوزكو " .
قال رامون : " لكن هذا فى غضون ساعتين من الآن " .
قلت : " فلننصب فخا بأن نترك بابلو يقابل لاندر . وسوف نتبعه ونقبض على لاندر " .
أجاب الدكتور حافظ : " إن هذا يبدوا خطيرا جدا . فلنتصل بالشرطة " .
قلت : " ليس هناك وقت للاتصال بالشرطة . علينا أن نمسك بلاندر . إننى وعدت إيماليا . يجب أن أفعل ذلك من أجلها " .